8- [مسلك وعقيدة زيد بن علي ليس بحجة يحتج به]

8- [مسلك وعقيدة زيد بن علي ليس بحجة يحتج به]

واحتج كثير منهم أيضا بقيام زيد وحركته، الذي اختلطت الآراء فيه والأهواء، ولنورد جملة ممن تكلم فيه:
قال القاضي النعمان الإسماعيلي -وهو من أعلام القرن الخامس- في كتابه شرح الأخبار:
" و لمّا نظر زيد بن علي بن الحسين الى اقبال الناس على أخيه محمد بن علي (و علو ذكره فيهم حسده) و قال له: مالك لا تقوم و تدعو الناس الى القيام معك؟ فأعرض عنه و قال عليه السلام له: لهذا وقت لا نتعداه. فدعا الى نفسه، و قال له: انما الامام منا من أظهر سيفه، و قام يطلب حق آل محمد لا من أرخى عليه سترا و جلس في بيته. و أوهم الشيعة أنه انما قام بأمر أخيه، فأجابه جماعة منهم، و أظهر نفسه.
فقال أبو جعفر: يا زيد إن مثل القائم من أهل هذا البيت قبل قيام مهديهم مثل فرخ نهض من عشه من قبل أن يستوي جناحاه، فاذا فعل ذلك سقط فأخذه الصبيان يتلاعبون به، فاتق اللّه في نفسك أن لا تكون غدا المصلوب بالكناسة. فلم يلتفت الى قوله، فأظهر البراءة منه، فلما أحسّ الشيعة، توقف كثير من كان انتدب للقيام معه.
و جاء بعضهم، فقال له: هذا الذي تدعونا إليه عندك فيه‏ عهد من أبيك أو من وصية أوصى بها إليك؟
قال [زيد]: لا.
فقال: فإن أخاك أبا جعفر يذكر إن أباه عهد إليه عهده، و أوصى إليه و عرفنا من أشهده علينا من ثقات أوليائه.
قال [زيد]: معاذ اللّه، فلو كان ذلك لأطلعني عليه، و اللّه لقد كان ربما ينفض المخ من العظام ليطعمني إياه، فما يضعه في فمي حتى يبرده، فهو يتوقى عليّ من حرارة المخ و لا يتوقى عليّ من حرارة النار! و يطلع غيري على ذلك و يستره عني! قال الرجل: نعم قد يكون ذلك، و هذا كتاب اللّه يشهد به.
قال: و أين هذا من كتاب اللّه؟
قال: فيما حكاه اللّه تعالى عن يعقوب عن قوله ليوسف لما أخبره بما رآه و أعلمه أن الامر يصير إليه. فقال له: «يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى‏ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ»، و أمره بكتمانه عنهم، و أخبره بما يصير إليه من الامر «وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَ يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ عَلى‏ آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى‏ أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ» و لم يطلع إخوته على ذلك.
فافحم و لم يحر جوابا.
و سمع ذلك من بقي معه ممن كان أجابه، فافترقوا عنه، فظفر به هشام بن عبد الملك، فقتله، و صلبه على كناسة الكوفة، و أحرقه بالنار. فكان كما حذره أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام، و كما وصف له بالفرخ نهض عن عشه من قبل أن يستوي جناحاه، فأخذه الصبيان يتلاعبون به".

وأكثر ما أورده أو كله روايات أعاد صياغتها بطريقته، ونحن نبرؤ إلى الله من اتهام زيد بحسد أخيه؛ فإن الأخبار في تقاه قد نقلها القاصي والداني.

وانقسم متأخرو الشيعة في شأن زيد بين مادح وذام، وأما المتقدمون فلم نجد له مصححا لحركته عدا من سنذكر، وهؤلاء -المتقدمون- من أصحاب الأئمة عليهم السلام ومن عاش زمن الغيبة الصغرى وما بعدها بسنين، هم عمدة الأقوال عند اصكاك الآراء.
وروى ابن شهرآشوب -المتوفى سنة 588 من الثقات الناقلين عن كتب الثقات- أخبارا كثيرة في فصل (مفسدات الإمامة) حول زيد، أغلبها رواها الكشي في كتابه مسندات، منها:
" أَبُو خَالِدٍ الْقَمَّاطُ أَخْبَرَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِي مَا مَنَعَكَ أَنْ تَخْرُجَ مَعَ زَيْدٍ قُلْتُ لَهُ:
إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْأَرْضِ مَفْرُوضَ الطَّاعَةِ فَالْخَارِجُ وَ الدَّاخِلُ مُوَسَّعٌ لَهُمَا.
زُرَارَةَ بْنُ أَعْيَنَ قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ ع عِنْدَ الصَّادِقِ ع مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ مِنْ آلِ مُحَمَّدِ اسْتَنْصَرَكَ فَقُلْتُ:
"إِنْ كَانَ مَفْرُوضَ الطَّاعَةِ نَصَرْتُهُ وَ إِنْ كَانَ غَيْرَ مَفْرُوضٍ فَلِي أَنْ أَفْعَلَ وَ لِي أَنْ لا أَفْعَلَ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع لَمَّا خَرَجَ زَيْدٌ أَخَذْتَهُ وَ اللَّهِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ وَ مَا تَرَكْتَ لَهُ مَخْرَجاً.
أَبُو مَالِكٍ الْأَحْمَسِيُّ:
قَالَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ لِصَاحِبِ الطَّاقِ: إِنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ فِي آلِ مُحَمَّدٍ إِمَاماً مُفْتَرَضَ الطَّاعَةِ مَعْرُوفاً بِعَيْنِهِ ؟
قَالَ: نَعَمْ وَ كَانَ أَبُوكَ أَحَدَهُمْ
قَالَ: وَيْحَكَ فَمَا كَانَ يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَقُولَ لِي، فَوَ اللَّهِ لَقَدْ كَانَ يُؤْتَى بِالطَّعَامِ الْحَارِّ فَيُقْعِدُنِي عَلَى فَخِذِهِ وَ يَتَنَاوَلُ الْمُضْغَةَ فَيُبَرِّدُهَا ثُمَّ يُلْقِمُنِيهَا، أَ فَتَرَاهُ أَنَّهُ كَانَ يُشْفِقُ عَلَيَّ مِنْ حَرِّ الطَّعَامِ وَ لا يُشْفِقُ عَلَيَّ مِنْ حَرِّ النَّارِ فَيَقُولَ لِي إِذَا أَنَا مِتُّ فَاسْمَعْ وَ أَطِعْ لِأَخِيكَ مُحَمَّدٍ الْبَاقِرِ ابْنِي فَإِنَّهُ الْحُجَّةُ عَلَيْكَ وَ لا يَدَعَنِي أَمُوتُ مَيْتَةً جَاهِلِيَّةً
فَقَالَ: كَرِهَ أَنْ يَقُولَ لَكَ فَتَكْفُرَ فَيَجِبَ مِنَ اللَّهِ عَلَيْكَ الْوَعِيدُ وَ لا يَكُونَ لَهُ فِيكَ الشَّفَاعَةُ فَتَرَكَكَ مُرْجِياً لِلَّهِ فِيكَ الْمَشِيئَةَ وَ لَهُ فِيكَ الشَّفَاعَةَ
ثُمَّ قَالَ: أَنْتُمْ أَفْضَلُ أَمِ الْأَنْبِيَاءُ؟
قَالَ: بَلِ الْأَنْبِيَاءُ
قَالَ: يَقُولُ يَعْقُوبُ لِيُوسُفَ: لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى‏ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً، لِمَ لَمْ يُخْبِرْهُمْ حَتَّى كَانُوا لا يَكِيدُونَهُ وَ لَكِنْ كَتَمَهُمْ وَ كَذَا أَبُوكَ كَتَمَكَ لِأَنَّهُ خَافَ مِنْكَ عَلَى مُحَمَّدٍ إِنْ هُوَ أَخْبَرَكَ بِمَوْضِعِهِ مِنْ قَلْبِهِ وَ بِمَا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ فَتَكِيدَ لَهُ كَيْداً كَمَا خَافَ يَعْقُوبُ عَلَى يُوسُفَ مِنْ إِخْوَتِهِ
فَبَلَغَ الصَّادِقَ ع مَقَالُهُ فَقَالَ وَ اللَّهِ مَا خَافَ غَيْرَهُ.‏
و قال زيد بن علي: ليس الإمام منا من أرخى عليه ستره إنما الإمام من اشتهر سيفه
فقال له أبو بكر الحضرمي: يا أبا الحسن أخبرني عن علي بن أبي طالب، أ كان إماما و هو مرخى عليه ستره أو لم يكن إماما حتى خرج و شهر سيفه ؟
فلم يجبه زيد، فردد عليه ذلك ثانيا و ثالثا كل ذلك لا يجيبه بشي‏ء.
فقال أبو بكر: إن كان علي بن أبي طالب إماما فقد يجوز أن يكون بعده إمام و هو مرخى عليه ستره و إن كان علي لم يكن إماما و هو مرخى عليه ستره فأنت ما جاء بك هاهنا.
و سأل زيدي الشيخ المفيد -و أراد الفتنة- فقال: بأي شي‏ء استجزت إنكار إمامة زيد ؟
فقال: إنك قد ظننت علي ظنا باطلا، و قولي في زيد لا يخالفني فيه أحد من الزيدية
فقال: و ما مذهبك فيه ؟
قال: أثبت من إمامته ما ثبتته الزيدية و أنفي عنه من ذلك ما تنفيه و أقول كان إماما في العلم و الزهد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و أنفي عنه الإمامة الموجبة لصاحبها العصمة و النص و المعجز، فهذا ما لا يخالفني عليه أحد".
وما قاله المفيد هو الصواب؛ فإن المتتبع لأخبار زيد لا يجد ما ادعاه بعض المفرطين في تأييد حركته وقيامه، بل يجدها مملوءة بالذم مشفوعة بالترحم، وهذا لا يلتئم إلا أن يكون زيد -رحمه الله- مرضي الدين غير مرضي المسلك، وكان كثير التعرض لأخيه حتى فارقه أصحاب الباقر عليه السلام، ثم حاد عن شدته في زمن الصادق عليه السلام لكنه لزم طريقته، واعترف بإمامة أخيه في الحلال والحرام -وهو قول معروف عنه وعن ابنه يحيى- وانفرد -بحسب زعمهم- بإمامة الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأي مذهب هذا!.

" مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى‏، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْجَارُودِ، عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرِ بْنِ دَابٍ([1])، عَمَّنْ حَدَّثَهُ:
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام: أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ دَخَلَ عَلى‏ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام، و مَعَهُ كُتُبٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَدْعُونَهُ فِيهَا إِلى‏ أَنْفُسِهِمْ، و يُخْبِرُونَهُ بِاجْتِمَاعِهِمْ، وَ يَأْمُرُونَهُ بِالْخُرُوجِ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: «هذِهِ الْكُتُبُ ابْتِدَاءٌ مِنْهُمْ، أَوْ جَوَابُ مَا كَتَبْتَ بِهِ إِلَيْهِمْ وَ دَعَوْتَهُمْ إِلَيْهِ؟» فَقَالَ: بَلِ ابْتِدَاءٌ مِنَ الْقَوْمِ؛ لِمَعْرِفَتِهِمْ بِحَقِّنَا و بِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله، و لِمَا يَجِدُونَ فِي كِتَابِ اللَّهِ- عَزَّ و جَلَّ- مِنْ و جُوبِ مَوَدَّتِنَا و فَرْضِ طَاعَتِنَا، و لِمَا نَحْنُ فِيهِ مِنَ الضِّيقِ و الضَّنْكِ و الْبَلَاءِ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: «إِنَّ الطَّاعَةَ مَفْرُوضَةٌ مِنَ اللَّهِ- عَزَّ و جَلَّ- و سُنَّةٌ أَمْضَاهَا فِي الْأَوَّلِينَ، و كَذلِكَ يُجْرِيهَا فِي الْآخِرِينَ، و الطَّاعَةُ لِوَاحِدٍ مِنَّا ، و الْمَوَدَّةُ لِلْجَمِيعِ، و أَمْرُ اللَّهِ يَجْرِي لِأَوْلِيَائِهِ بِحُكْمٍ مَوْصُولٍ، و قَضَاءٍ مَفْصُولٍ ، و حَتْمٍ مَقْضِيٍّ، و قَدَرٍ مَقْدُورٍ، وَ أَجَلٍ مُسَمًّى لِوَقْتٍ مَعْلُومٍ، فَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَايُوقِنُونَ، إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً، فَلَا تَعْجَلْ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَايَعْجَلُ لِعَجَلَةِ  الْعِبَادِ، و لَاتَسْبِقَنَّ اللَّهَ؛ فَتُعْجِزَكَ الْبَلِيَّةُ فَتَصْرَعَكَ».
قَالَ: فَغَضِبَ زَيْدٌ عِنْدَ ذلِكَ، ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ الْإِمَامُ مِنَّا مَنْ جَلَسَ فِي بَيْتِهِ، و أَرْخى‏ سِتْرَهُ ، و ثَبَّطَ عَنِ الْجِهَادِ، و لكِنَّ الْإِمَامَ مِنَّا مَنْ مَنَعَ حَوْزَتَهُ ، و جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، و دَفَعَ عَنْ رَعِيَّتِهِ، و ذَبَّ عَنْ حَرِيمِهِ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: «هَلْ تَعْرِفُ يَا أَخِي مِنْ نَفْسِكَ شَيْئاً مِمَّا نَسَبْتَهَا إِلَيْهِ؛ فَتَجِي‏ءَ عَلَيْهِ بِشَاهِدٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، أَوْ حُجَّةٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله، أَوْ تَضْرِبَ بِهِ مَثَلًا؟ فَإِنَّ اللَّهَ- عَزَّ و جَلَّ- أَحَلَّ حَلَالًا، و حَرَّمَ حَرَاماً، و فَرَضَ فَرَائِضَ، و ضَرَبَ أَمْثَالًا، و سَنَّ سُنَناً ، وَ لَمْ يَجْعَلِ الْإِمَامَ الْقَائِمَ بِأَمْرِهِ فِي شُبْهَةٍ فِيمَا فَرَضَ لَهُ مِنَ الطَّاعَةِ أَنْ يَسْبِقَهُ بِأَمْرٍ قَبْلَ مَحَلِّهِ، أَوْ يُجَاهِدَ فِيهِ قَبْلَ حُلُولِهِ؛ و قَدْ قَالَ اللَّهُ- عَزَّ و جَلَّ- فِي الصَّيْدِ: «لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ» أَفَقَتْلُ الصَّيْدِ أَعْظَمُ، أَمْ قَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ؟
وَ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ مَحَلًّا، و قَالَ عَزَّ و جَلَّ: «وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا» و قَالَ عَزَّ و جَلَّ: «لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَ لا الشَّهْرَ الْحَرامَ»، فَجَعَلَ الشُّهُورَ عِدَّةً مَعْلُومَةً، فَجَعَلَ مِنْهَا أَرْبَعَةً حُرُماً، و قَالَ: «فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ».
ثُمَّ قَالَ تَبَارَكَ و تَعَالى‏: «فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ» فَجَعَلَ لِذلِكَ مَحَلًّا، و قَالَ: «وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ» فَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ مَحَلّاً، و لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاباً.
فَإِنْ كُنْتَ عَلى‏ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكَ، و يَقِينٍ مِنْ أَمْرِكَ، و تِبْيَانٍ مِنْ شَأْنِكَ، فَشَأْنَكَ، و إِلَّا فَلَا تَرُومَنَّ أَمْراً أَنْتَ مِنْهُ فِي شَكٍّ و شُبْهَةٍ، و لَاتَتَعَاطَ زَوَالَ مُلْكٍ لَمْ يَنْقَضِ أُكُلُهُ ، وَ لَمْ يَنْقَطِعْ مَدَاهُ ، و لَمْ يَبْلُغِ الْكِتَابُ أَجَلَهُ، فَلَوْ قَدْ بَلَغَ مَدَاهُ، و انْقَطَعَ أُكُلُهُ ، و بَلَغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ، لَانْقَطَعَ الْفَصْلُ ، و تَتَابَعَ النِّظَامُ، و لَأَعْقَبَ اللَّهُ فِي التَّابِعِ وَ الْمَتْبُوعِ الذُّلَّ و الصَّغَارَ.
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ إِمَامٍ ضَلَّ عَنْ و قْتِهِ، فَكَانَ التَّابِعُ فِيهِ أَعْلَمَ مِنَ الْمَتْبُوعِ، أَ تُرِيدُ
يَا أَخِي أَنْ تُحْيِيَ مِلَّةَ قَوْمٍ قَدْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ، و عَصَوْا رَسُولَهُ، و اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ، و ادَّعَوُا الْخِلَافَةَ بِلَا بُرْهَانٍ مِنَ اللَّهِ و لَاعَهْدٍ مِنْ رَسُولِهِ ؟ أُعِيذُكَ بِاللَّهِ يَا أَخِي أَنْ تَكُونَ غَداً الْمَصْلُوبَ بِالْكُنَاسَةِ».
ثُمَّ ارْفَضَّتْ عَيْنَاهُ، و سَالَتْ دُمُوعُهُ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُ بَيْنَنَا و بَيْنَ مَنْ هَتَكَ سِتْرَنَا، وَ جَحَدَنَا حَقَّنَا، و أَفْشى‏ سِرَّنَا، و نَسَبَنَا إِلى‏ غَيْرِ جَدِّنَا، و قَالَ فِينَا مَا لَمْ نَقُلْهُ فِي أَنْفُسِنَا».
وهذا الفعل من الباقر عليه السلام لحبه لزيد وإشفاقه عليه، فليس الدعاء له مدحا لمسلكه في القيام، وليس دليلا على إمضاء المعصوم لحركته، لذا لا يصح لاستدلال بتأييد الإمام عليه السلام ما روي عن الرضا عليه السلام.

......... يتبع 


([1]) رواه العياشي في تفسيره عن موسى بن بكير عن بعض رجاله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق