5- [لو اتقى الشيعة مدافعة الحكام ومعارضتهم لدفع عنا أعظم بلائهم]

5- [لو اتقى الشيعة مدافعة الحكام ومعارضتهم لدفع عنا أعظم بلائهم]

ولا شك أن الشيعة لو تركوا طلب الملك والدولة وتركهم الملوك لذاك، ما تركهم النواصب وأعداء أهل البيت عليهم السلام بمأمن تام، لكن المؤمن من آمن بالغيب وسلم لقولهم عليهم السلام وصدق مقالتهم وامتثل أمرهم، وقد مر عليك حال المؤمنين مع ظلم الملوك والأعداء في قول الباقر عليه السلام لأبي مرهف:
" إِنَّهُمْ لا يُرِيدُونَكُمْ بِجَائِحَةٍ إِلَّا أَتَاهُمُ اللَّهُ بِشَاغِلٍ إِلَّا مَنْ تَعَرَّضَ لَهُمْ‏".

ومن المكاتيب المشهورة للإمام الحجة عليه السلام خرجت في أيام بقين من صفر سنة عشر وأربعمائة كتبها للشيخ المفيد رحمه الله، نقلها الطبرسي في الاحتجاج وقسم منها رواها الراوندي في الخرائج، قال فيها:
" ُ نَحْنُ وَ إِنْ كُنَّا نَائِينَ بِمَكَانِنَا النَّائِي عَنْ مَسَاكِنِ الظَّالِمِينَ -حَسَبَ الَّذِي أَرَانَاهُ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا مِنَ الصَّلَاحِ وَ لِشِيعَتِنَا الْمُؤْمِنِينَ فِي ذَلِكَ مَا دَامَتْ دَوْلَةُ الدُّنْيَا لِلْفَاسِقِينَ- فَإِنَّا نُحِيطُ عِلْماً بِأَنْبَائِكُمْ وَ لا يَعْزُبُ عَنَّا شَيْ‏ءٌ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَ مَعْرِفَتُنَا بِالذُّلِّ الَّذِي أَصَابَكُمْ مُذْ جَنَحَ كَثِيرٌ مِنْكُمْ إِلَى مَا كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ عَنْهُ شَاسِعاً، وَ نَبَذُوا الْعَهْدَ الْمَأْخُوذَ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ، إِنَّا غَيْرُ مُهْمِلِينَ لِمُرَاعَاتِكُمْ وَ لا نَاسِينَ لِذِكْرِكُمْ وَ لَوْ لا ذَلِكَ لَنَزَلَ بِكُمُ اللَّأْوَاءُ وَ اصْطَلَمَكُمُ الْأَعْدَاءُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ جَلَّ جَلَالُهُ وَ ظَاهِرُونَا عَلَى انْتِيَاشِكُمْ مِنْ فِتْنَةٍ قَدْ أَنَافَتْ عَلَيْكُمْ،  يَهْلِكُ فِيهَا مَنْ‏ حُمَّ أَجَلُهُ وَ يُحْمَى عَنْهَا مَنْ أَدْرَكَ أَمَلَهُ، وَ هِيَ أَمَارَةٌ لِأُزُوفِ حَرَكَتِنَا وَ مُبَاثَّتِكُمْ بِأَمْرِنَا وَ نَهْيِنَا وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، اعْتَصِمُوا بِالتَّقِيَّةِ مِنْ شَبِّ نَارِ الْجَاهِلِيَّةِ يُحَشِّشُهَا عَصَبٌ أُمَوِيَّةٌ يَهُولُ بِهَا فِرْقَةً مَهْدِيَّةً، أَنَا زَعِيمٌ بِنَجَاةِ مَنْ لَمْ يَرُمْ فِيهَا الْمَوَاطِنَ وَ سَلَكَ فِي الطَّعْنِ مِنْهَا السُّبُلَ الْمَرْضِيَّةَ".
ثم ذكر فيها أحداثا تأتي في تلك السنة يدفعها عليه السلام بدعائه وتأييده للمؤمنين.
وفي هذه المكاتبة المشهورة ما لا يخفى من التنبيه على لزوم التقية من معارضة ومكاشفة الظالم والملوك وذم الفرق المنتسبة للشيعة المسماة بالمهدية وما ماثلها، ويكفينا أنه عليه السلام زعيم بنجاة من لم يدخل في فتنتهم ولم يَرُم مواطنهم، ويقوى بالتأمل في المكاتبة أن يكون العهد الذي نبذوه وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون به هي أوامرهم عليهم السلام باتقاء حكام دولة الفاسقين لزوم الانتظار حتى يقوم عليه السلام بدولة الحق الموعودة.

وفي مكاتبته -الثانية المروية- للشيخ المفيد مِنْ قِبَلِهِ عليه السلام يَوْمَ الْخَمِيسِ الثَّالِثِ وَ الْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَ أَرْبَعِمِائَةٍ وفيها التأكيد على أنه من وراء حقظ الشيعة، قال:
"وَ آيَةُ حَرَكَتِنَا مِنْ هَذِهِ اللُّوثَةِ حَادِثَةٌ بِالْحَرَمِ الْمُعَظَّمِ مِنْ رِجْسِ مُنَافِقٍ مُذَمَّمٍ مُسْتَحِلٍّ لِلدَّمِ الْمُحَرَّمِ يَعْمِدُ بِكَيْدِهِ أَهْلَ الْإِيمَانِ وَ لا يَبْلُغُ بِذَلِكَ غَرَضَهُ مِنَ الظُّلْمِ وَ الْعُدْوَانِ لِأَنَّنَا مِنْ وَرَاءِ حِفْظِهِمْ بِالدُّعَاءِ الَّذِي لا يُحْجَبُ عَنْ مَلِكِ الْأَرْضِ وَ السَّمَاءِ فَلْتَطْمَئِنَّ بِذَلِكَ مِنْ أَوْلِيَائِنَا الْقُلُوبُ- وَ لْيَتَّقُوا بِالْكِفَايَةِ مِنْهُ وَ إِنْ رَاعَتْهُمْ بِهِمُ الْخُطُوبُ وَ الْعَاقِبَةُ بِجَمِيلِ صُنْعِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ تَكُونُ حَمِيدَةً لَهُمْ مَا اجْتَنَبُوا الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مِنَ الذُّنُوبِ ‏".
وهاتان المكاتبتان وإن لم يقوما بشروط الحجية في الاعتماد الكامل والاستدلال، لكنهما مما يمكن الاستشهاد بهما بل والاطمئنان بأكثرها بقرائن عديدة.

وروى النعماني في كتاب الغيبة قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُّ -وهو علي بن الحسن بن علي، ابن فضال، الثقات المعروفون بالعلم والرواية وصحة الحديث- فِي صَفَرٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَ سَبْعِينَ وَ مِائَتَيْنِ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَزَّازِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الْبَاقِرَ ع -وساق الحديث- حتى قال عليه السلام:
"أَ لَسْتُمْ تَرَوْنَ أَعْدَاءَكُمْ يَقْتَتِلُونَ فِي مَعَاصِي اللَّهِ وَ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً عَلَى الدُّنْيَا دُونَكُمْ وَ أَنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ آمِنُونَ فِي عُزْلَةٍ عَنْهُمْ، وَ كَفَى بِالسُّفْيَانِيِّ نَقِمَةً لَكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَ هُوَ مِنَ الْعَلَامَاتِ لَكُمْ، مَعَ أَنَّ الْفَاسِقَ لَوْ قَدْ خَرَجَ لَمَكَثْتُمْ شَهْراً أَوْ شَهْرَيْنِ بَعْدَ خُرُوجِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكُمْ بَأْسٌ حَتَّى يَقْتُلَ خَلْقاً كَثِيراً دُونَكُمْ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: فَكَيْفَ نَصْنَعُ بِالْعِيَالِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ قَالَ يَتَغَيَّبُ الرِّجَالُ مِنْكُمْ عَنْهُ فَإِنَّ حَنَقَهُ وَ شَرَهَهُ إِنَّمَا هِيَ عَلَى شِيعَتِنَا، وَ أَمَّا النِّسَاءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ بَأْسٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، قِيلَ فَإِلَى أَيْنَ مَخْرَجُ الرِّجَالِ وَ يَهْرُبُونَ مِنْهُ فَقَالَ مَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ أَنْ يَخْرُجَ يَخْرُجْ إِلَى الْمَدِينَةِ أَوْ إِلَى مَكَّةَ أَوْ إِلَى بَعْضِ الْبُلْدَانِ ثُمَّ قَالَ مَا تَصْنَعُونَ بِالْمَدِينَةِ وَ إِنَّمَا يَقْصِدُ جَيْشُ الْفَاسِقِ إِلَيْهَا وَ لَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمَكَّةَ فَإِنَّهَا مَجْمَعُكُمْ وَ إِنَّمَا فِتْنَتُهُ حَمْلُ امْرَأَةٍ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ وَ لا يَجُوزُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ".
فدلت على أن الأمن من الأعداء عدم التعرض لهم واعتزالهم والصبر حتى تأتي علائم الخروج ومنها السفياني، ووظف عليه السلام للمؤمنين ما يعملون حينها، فشيعتهم آمنون ما تركوا التعرض، ومداه وقت خروج المولى عليه السلام.

يتبع ........

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق