10- [كان يعتقد الفضل له والمزية للعترة]

10- [كان يعتقد الفضل له والمزية للعترة]

ولأنه كان يعتقد أن المزية بين الأمة للعترة من أبناء الأئمة عليهم السلام، ميز بين الإمام في العلم الإمام في الجهاد والسيف، وقد مر عليك كلامه مع الباقر عليه السلام، ويدل عليه أيضا نصوص.
منها: ما رواه الخزاز في كفاية الأثر بأسانيد متعددة حسان-يظهر اعتماده عليها وكونه في مقام الاستدلال بها- عن مُحَمَّدُ بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ ع وَ عِنْدَهُ صَالِحُ بْنُ بِشْرٍ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَ هُوَ يُرِيدُ الْخُرُوجَ إِلَى الْعِرَاقِ فَقُلْتُ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ حَدِّثْنِي بِشَيْ‏ءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ أَبِيكَ ع -إلى أن قال- :
يَا ابْنَ بُكَيْرٍ مَنْ تَمَسَّكَ بِنَا فَهُوَ مَعَنَا فِي الدَّرَجَاتِ الْعُلَى، يَا ابْنَ بُكَيْرٍ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى اصْطَفَى مُحَمَّداً ص وَ اخْتَارَنَا لَهُ ذُرِّيَّةً، فَلَوْلَانَا لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ تَعَالَى الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةَ، يَا ابْنَ بُكَيْرٍ بِنَا عُرِفَ اللَّهُ وَ بِنَا عُبِدَ اللَّهُ وَ نَحْنُ السَّبِيلُ إِلَى اللَّهِ وَ مِنَّا الْمُصْطَفَى وَ الْمُرْتَضَى وَ مِنَّا يَكُونُ الْمَهْدِيُّ قَائِمُ هَذِهِ الْأُمَّةِ.
قُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ هَلْ عَهِدَ إِلَيْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ ص مَتَى يَقُومُ قَائِمُكُمْ ؟
قَالَ: يَا ابْنَ بُكَيْرٍ إِنَّكَ لَنْ تَلْحَقُهُ وَ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ يَلِيهِ سِتَّةٌ مِنَ الْأَوْصِيَاءِ بَعْدَ هَذَا ثُمَّ يُجْعَلُ خُرُوجُ قَائِمِنَا فَيَمْلَأُهَا قِسْطاً وَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً.
فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَ لَسْتَ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ ؟
فَقَالَ: أَنَا مِنَ الْعِتْرَة" ثم أنشأ شعرا في بيان مقام العترة ومدح القيام.
فانظر كيف مذهبه في جعل حجية للعترة بعنوانها، واستقلال أئمة منهم دون العترة، قد جعلهم أئمة في العلم كما في غير خبر.
وقد دخلت الشبهة على زيد من جهة الأخبار المادحة لعلم الإمام والواقفة عن ذكر القيام، والمادحة له بالخصوص المشيرة لاستشهاده، مع اسقرار رأيه على وجوبه وعدم جواز التخلف عن طلب الحق والثار.
يدل عليه مواضع من الأخبار المتفرقة، منها:
ما رواه الخزاز أيضا في كفاية الأثر عن زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ ع قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ فَبَيْنَمَا هُوَ يُحَدِّثُهُ إِذْ خَرَجَ أَخِي مُحَمَّدٌ مِنْ بَعْضِ الْحُجَرِ - حتى قال: -  وَ يَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ لِي يَوْماً: يَا جَابِرُ إِذَا أَدْرَكْتَ وَلَدِيَ الْبَاقِرَ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ فَإِنَّهُ سَمِيِّي وَ أَشْبَهُ النَّاسِ بِي عِلْمُهُ عِلْمِي وَ حُكْمُهُ حُكْمِي سَبْعَةٌ مِنْ وُلْدِهِ أُمَنَاءُ مَعْصُومُونَ أَئِمَّةٌ أَبْرَارٌ وَ السَّابِعُ مَهْدِيُّهُمْ الَّذِي يَمْلَأُ الدُّنْيَا قِسْطاً وَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ ص وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ".
وروى عن زيد مرسلا قوله: " من أراد الجهاد فإليّ و من أراد العلم فإلى ابن أخي جعفر".
لذا انعكست هذه العقيدة على ابنه يحيى حيث قال -فيما روي في صدر صحائف الصحيفة السجادة- :
" إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَيَّدَ هَذَا الْأَمْرَ بِنَا وَ جَعَلَ لَنَا الْعِلْمَ وَ السَّيْفَ فَجُمِعَا لَنَا وَ خُصَّ بَنُو عَمِّنَا بِالْعِلْمِ وَحْدَهُ.
فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاءَكَ إِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ إِلَى ابْنِ عَمِّكَ جَعْفَرٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَمْيَلَ مِنْهُمْ إِلَيْكَ وَ إِلَى أَبِيكَ.
فَقَالَ: إِنَّ عَمِّي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَ ابْنَهُ جَعْفَراً- عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- دَعَوَا النَّاسَ إِلَى الْحَيَاةِ وَ نَحْنُ دَعَوْنَاهُمْ إِلَى الْمَوْتِ.
فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَ هُمْ أَعْلَمُ أَمْ أَنْتُمْ ؟
فَأَطْرَقَ إِلَى الْأَرْضِ مَلِيّاً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَ قَالَ: كُلُّنَا لَهُ عِلْمٌ غَيْرَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ كُلَّ مَا نَعْلَمُ، وَ لا نَعْلَمُ كُلَّ مَا يَعْلَمُونَ".
وقد دفعه ما سمعه عن ظلامته وشهادته على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله، فرأى أن هذا إجازة له بالخروج، فترك الظاهر من الردع والنهي عن إمامه، فوقع صريع أمنيته وعقيدته في العترة عن شبهة.
ويدل عليه ما رواه الخزاز أيضا بسنده لمقبولة المتوكل -وهو الراوي لخبر الصحيفة- قال سائلا يحيى عن أبيه زيد:
" قُلْتُ: لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَ مَا الَّذِي أَخْرَجَهُ إِلَى قِتَالِ هَذَا الطَّاغِي وَ قَدْ عَلِمَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ مَا عَلِمَ ؟
فَقَالَ: نَعَمْ لَقَدْ سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: سَأَلْتُ أَبِي ع يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع قَالَ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ ص‏ يَدَهُ عَلَى صُلْبِي فَقَالَ: يَا حُسَيْنُ، يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِكَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ زَيْدٌ يُقْتَلُ شَهِيداً، إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَتَخَطَّى هُوَ وَ أَصْحَابُهُ رِقَابَ النَّاسِ وَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ كَمَا وَصَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ ص".
" ثُمَّ قَالَ رَحِمَ اللَّهُ أَبِي زَيْداً كَانَ وَ اللَّهِ أَحَدَ الْمُتَعَبِّدِينَ قَائِمٌ لَيْلَهُ صَائِمٌ نَهَارَهُ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ حَقَّ جِهَادِهِ.
فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ هَكَذَا يَكُونُ الْإِمَامُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ؟
فَقَالَ: يَا بَا عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ أَبِي لَمْ يَكُنْ بِإِمَامٍ وَ لَكِنْ كَانَ مِنْ سَادَاتِ الْكِرَامِ وَ زُهَّادِهِمْ وَ كَانَ مِنَ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وَ قَدْ جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص فِيمَنِ ادَّعَى الْإِمَامَةَ كَاذِباً
فَقَالَ: مَهْ يَا بَا عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ أَبِي ع كَانَ أَعْقَلَ مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ مَا لَيْسَ لَهُ بِحَقٍّ، وَ إِنَّمَا قَالَ أَدْعُوكُمْ إِلَى الرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، عَنَى بِذَلِكَ عَمِّي جَعْفَراً.
قُلْتُ: فَهُوَ الْيَوْمَ صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ ؟
قَالَ: نَعَمْ هُوَ أَفْقَهُ بَنِي هَاشِمٍ".
ولا يخفى هذا المدح العظيم، لكن العجب كيف يغفل عن كل تلك الأخبار الذامة لخروجه !، وكأنه لو تمسك بها طرح خبر مدحه، كلا؛ فإن المخطئ -عن شبهة داخلته- وهو يريد الحق مصيب عند الله تعالى، وحساب الخلق بنياتهم وإخلاصهم لوجه، وكله مشروط بصحة العقيدة في الإمامة إجمالا، وكم وقع في القصور من أصحاب أهل البيت ممن لو كشف له كل العلم لأنكره كله؛ لشبهات أو قصور فيه، لكنهم كانوا مع خواصهم في حذر وخوف عليهم، فانظر تراجمهم في كتب الرجال يزول عنك العجب.

وبهذا يظهر لك ما استدل به بعض من قَصَّر عن التأمل والتتبع، فاستدل على صحة فعل زيد بالترحم والترضي عليه، ونفي تهم فعل الفواحش عنه رضوان الله عليه، وأنه لو ظفر لوفى، ومن الجلي أنه لا يلزم من المدح تصحيح كل أفعال الممدوح؛ كيف قد اجتمعت الأخبار الصحاح كلها على تخطئة خروجه صريحا وظهورا، وحال زيد حال من جاهد فقتل مؤمنا خطأ، يمدح جهاده ولا يصحح فعله، بل حاله حال من غزا وجاهد متوهما الوجوب؛ لا تمدح إلا نيته وإيمانه.
وأظن أن كل مؤمن لو كان في موضع زيد وسمع عن رسول الله صلى الله عليه وآله مثل ما سمع زيد فيه، لعظمت لديه الشبهة واحتاج لناصح مرشد معصوم، وقد تغلب الشبهة عليه فيبدع رأيا يجعله عقيدته، لا تلجئه للخروج عن ولاية إمامه بالكلية ولا للخروج عن رجائه ومؤمله في الشهادة التي أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بالغيب.
لذا -لقوة الشبهة- احتارت الزيدية بعده؛ لأنه لو كان معتقدما بإمامة جعفر عليه السلام فلم خرج عن مشورته ومشورة الباقر عليه السلام !؟، ولو لم يكن إماما فلم قاد حركة وقياما نسب الزعامة فيها لنفسه واعتقد منصبا إلهيا لعترة نبيه صلى الله عليه وآله !.
وقد حاول الأئمة عليهم السلام دفع هذا التوهم عن الناس، فترحموا عليه ومدحوا نيته، بل نهوا عن القول بأن زيدا قد قام لأنها موهمة لادعاء الإمامة.

وقد روى الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام قال:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْمُكَتِّبُ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الصَّوْلِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ النَّحْوِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي عُبْدُونٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
لَمَّا حُمِلَ زَيْدُ بْنُ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ إِلَى الْمَأْمُونِ -وَ قَدْ كَانَ خَرَجَ بِالْبَصْرَةِ وَ أَحْرَقَ دُورَ وُلْدِ الْعَبَّاسِ- وَهَبَ الْمَأْمُونُ جُرْمَهُ لِأَخِيهِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا ع وَ قَالَ لَهُ يَا أَبَا الْحَسَنِ:‏
لَئِنْ خَرَجَ أَخُوكَ وَ فَعَلَ مَا فَعَلَ لَقَدْ خَرَجَ قَبْلَهُ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ فَقُتِلَ، وَ لَوْ لا مَكَانُكَ مِنِّي لَقَتَلْتُهُ، فَلَيْسَ مَا أَتَاهُ بِصَغِيرٍ.
فَقَالَ الرِّضَا ع: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لا تَقِسْ أَخِي زَيْداً إِلَى زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ؛ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ عُلَمَاءِ آلِ مُحَمَّدٍ، غَضِبَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَجَاهَدَ أَعْدَاءَهُ حَتَّى قُتِلَ فِي سَبِيلِهِ.
وَ لَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ ع أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ جَعْفَرَ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ع يَقُولُ:
رَحِمَ اللَّهُ عَمِّي زَيْداً إِنَّهُ دَعَا إِلَى الرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، وَ لَوْ ظَفِرَ لَوَفَى بِمَا دَعَا إِلَيْهِ، وَ لَقَدِ اسْتَشَارَنِي فِي خُرُوجِهِ
فَقُلْتُ لَهُ: يَا عَمِّ إِنْ رَضِيتَ أَنْ تَكُونَ الْمَقْتُولَ الْمَصْلُوبَ بِالْكُنَاسَةِ فَشَأْنَكَ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَيْلٌ لِمَنْ سَمِعَ وَاعِيَتَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ.
فَقَالَ الْمَأْمُونُ: يَا أَبَا الْحَسَنِ أَ لَيْسَ قَدْ جَاءَ فِيمَنِ ادَّعَى الْإِمَامَةَ بِغَيْرِ حَقِّهَا مَا جَاءَ ؟
فَقَالَ الرِّضَا ع: إِنَّ زَيْدَ بْنَ عَلِيٍّ لَمْ يَدَّعِ مَا لَيْسَ لَهُ بِحَقٍّ وَ إِنَّهُ كَانَ أَتْقَى لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّهُ قَالَ أَدْعُوكُمْ إِلَى الرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ ع، وَ إِنَّمَا جَاءَ مَا جَاءَ فِيمَنْ يَدَّعِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَيْهِ ثُمَّ يَدْعُو إِلَى غَيْرِ دِينِ اللَّهِ وَ يُضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَ كَانَ زَيْدٌ وَ اللَّهِ مِمَّنْ خُوطِبَ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ ".
وقد مر عليك أن الباقر عليه السلام نهاه وتعوذ من أن يكون المصلوب بالكناسة أيضا، وهذا من ذاك، وكذا جهاده فإنه حق في زمان النهي، وهذا حكم الملتفت العالم لا المشتبه، ولا تقع في وهم من تمسك بمفردة واحدة من الخبر وبرواية واحدة من الأخبار دون وجوه الجمع الصحاح.

وأما رواه الصدوق في العيون قال:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الصَّفَّارُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَمُّونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ
قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع صَبِيحَةَ يَوْمٍ خَرَجَ بِالْكُوفَةِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ يُعِينُنِي مِنْكُمْ عَلَى قِتَالِ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّامِ ؟ ، فَوَ الَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ بَشِيراً وَ نَذِيراً لا يُعِينُنِي مِنْكُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ أَحَدٌ إِلَّا أَخَذْتُ بِيَدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ.
فَلَمَّا قُتِلَ اكْتَرَيْتُ رَاحِلَةً وَ تَوَجَّهْتُ نَحْوَ الْمَدِينَةِ فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَ اللَّهِ لَأُخْبِرَنَّهُ بِقَتْلِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ فَيَجْزَعُ عَلَيْهِ.
فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ قَالَ: مَا فَعَلَ عَمِّي زَيْدٌ ؟
فَخَنَقَتْنِي الْعَبْرَةُ.
فَقَالَ: قَتَلُوهُ ؟
قُلْتُ: إِي‏ وَ اللَّهِ قَتَلُوهُ.
قَالَ: فَصَلَبُوهُ ؟
قُلْتُ: إِي وَ اللَّهِ فَصَلَبُوهُ.
قَالَ: فَأَقْبَلَ يَبْكِي دُمُوعُهُ تَنْحَدِرُ عَنْ جَانِبَيْ خَدِّهِ كَأَنَّهَا الْجُمَانُ.
ثُمَّ قَالَ: يَا فُضَيْلُ شَهِدْتَ مَعَ عَمِّي زَيْدٍ قِتَالَ أَهْلِ الشَّامِ ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ: فَكَمْ قَتَلْتَ مِنْهُمْ ؟
قُلْتُ: سِتَّةً.
قَالَ: فَلَعَلَّكَ شَاكٌّ فِي دِمَائِهِمْ ؟
قُلْتُ: لَوْ كُنْتُ شَاكّاً مَا قَتَلْتُهُمْ
فَسَمِعْتُهُ وَ هُوَ يَقُولُ: أَشْرَكَنِي اللَّهُ فِي تِلْكَ الدِّمَاءِ
مَا مَضَى وَ اللَّهِ زَيْدٌ عَمِّي وَ أَصْحَابُهُ إِلَّا شُهَدَاءَ مِثْلَ مَا مَضَى عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع وَ أَصْحَابُهُ".
فإنها نعم الشاهد على استحقاق المدح بشرط عدم الشك في صحة الفعل حتى لو كان مشتبها في أصل القيام، وأما استحقاقهم للقتل فهذا مما لا شك فيه، وعلى هذا مضى زيد رحمه الله شهيدا، واستحق أن يدعو له الإمام عليه السلام جزاء نيته وقصده، إذ ليس المقام مقام تصحيح للفعل وقد نهوه وعنفوه وتركه كل أصحاب الباقر عليه السلام لما قطعوا بخطئه.
إلا سليمان بن خالد الأقطع الذي خرج مع زيد؛ فإنه العلامة قال في الخلاصة في ترجمة سليمان:
" في كتاب سعد: أنه خرج مع زيد فأفلت فمن الله عليه و تاب و رجع بعد ذلك، و كان فقيها وجها روى عن الصادق و الباقر عليهما السلام، و كان الذي قطع يده يوسف بن عمر بنفسه مات في حياة أبي عبد الله عليه السلام ".
وقال النجاشي فيه:
" سليمان بن خالد بن دهقان‏:
بن نافلة، مولى عفيف بن معديكرب- عم الأشعث بن قيس لأبيه و أخوه لأمه- أبو الربيع الأقطع. كان قارئا فقيها وجها، روى عن أبي عبد الله و أبي جعفر عليهما السلام، و خرج مع زيد، و لم يخرج معه من أصحاب أبي جعفر عليه السلام غيره فقطعت يده، و كان الذي قطعها يوسف بن عمر بنفسه‏".

وقد يستدل على تصويب فعل زيد بما ذكره العلامة في الخلاصة والرجال في حفص بن سالم -وقد يقال له حفص بن يونس بناء على الاتحاد- من أصحاب الصادق عليه السلام، قال:
" قال ابن عقدة : حفص بن سالم خرج مع زيد بن علي ، وظهر من الصادق (عليه السلام) تصويبه لذلك".
لكن النسخ مختلفة؛ إذ نقلها ابن داوود هكذا: " حفص بن سالم ، قال ابن عقدة: إنه خرج مع زيد بن علي، وما ظهر من الصادق عليه السلام تصويبه لذلك"، بجعل ( ما ) نافية.
ولو ثبت فهذا من زيادات ابن عقدة في وصف الرجل، وابن عقدة مع وثاقته زيدي المذهب أيضا، فلا جرم أن ينتصر لصاحبه.

يتبع  ......

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق