2- [مفهوم القيام]
وبهذا الوجه الأخير، يجاب عن
الشبهة الأولى، فإن القيام له وجهان:
الأول: ما يسعى له الطرف
القائم ويقصده، ويعده الحاكم أيضا قياما، ولا يتخلفان في التلازم.
الثاني: ما يعارض به المحكومُ
الحاكمَ ولم يقصد به القيام، ويحمل فيه اسم المذهب وأهل البيت أو يحمله الآخر
الاسم، لكن يحسبه الحاكم قياما ومعارضة لأصل حكمه، وهذا أيضا غالبي في دولة
الباطل.
وأما أن لا يحسبه الطرفان
معارضة للحكم ولا طلبا لدولة، فلا شك أنها لا تدخل تحت هذا العنوان وليست أخبارهم
عليهم السلام ناظرة لها، فإن مثل هذا حسن مطلقا لا ضرر فيه. فتبين أن القيام هو ما
الأمر الذي لو علم به الحاكم لعده وحسبه قياما ومعارضة لدولته وسطوته.
وفيما رواه النعماني أيضا
بسند صحيح قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ
قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ الْجُعْفِيُّ أَبُو
الْحَسَنِ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ وَ وُهَيْبِ بْنِ حَفْصٍ
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ :
"ألَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا لا يَقْبَلُ
اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنَ الْعِبَادِ عَمَلًا إِلَّا بِهِ فَقُلْتُ بَلَى
فَقَالَ شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ
رَسُولُهُ وَ الْإِقْرَارُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ وَ الْوَلَايَةُ لَنَا وَ
الْبَرَاءَةُ مِنْ أَعْدَائِنَا يَعْنِي الْأَئِمَّةَ خَاصَّةً وَ التَّسْلِيمَ لَهُمْ
وَ الْوَرَعُ وَ الِاجْتِهَادُ وَ الطُّمَأْنِينَةُ وَ الِانْتِظَارُ لِلْقَائِمِ
ع ثُمَّ قَالَ إِنَّ لَنَا دَوْلَةً يَجِيءُ اللَّهُ بِهَا إِذَا شَاءَ ثُمَّ
قَالَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْقَائِمِ فَلْيَنْتَظِرْ وَ
لْيَعْمَلْ بِالْوَرَعِ وَ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ وَ هُوَ مُنْتَظِرٌ فَإِنْ
مَاتَ وَ قَامَ الْقَائِمُ بَعْدَهُ كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ
أَدْرَكَهُ فَجِدُّوا وَ انْتَظِرُوا هَنِيئاً لَكُمْ أَيَّتُهَا الْعِصَابَةُ
الْمَرْحُومَةُ".
وتقريب الاستدلال بها على وجوب
لزوم الصبر وحرمة المعارضة لأصل الحكم زمن الغيبة، أن الإمام عليه السلام في مقام
بيان وظائف المؤمنين في دولة الباطل، ومفهوم الدولة هي أن تكون أزمة الأمور وإدارة
البلاد في يد حاكمها، لا يديرها غيره ولا يشاركه في حكمها أحد، ولو صدقت المشاركة
من المؤمنين لما كانت دولة للباطل، لذا قال عليه السلام: "ِإنَّ لَنَا
دَوْلَةً يَجِيءُ اللَّهُ بِهَا إِذَا شَاءَ"، وأما قبلها، فلا دولة للحق يكون
فيها نصيب للمؤمنين، فعليهم انتظارها، وأما وظائفهم في دولة الباطل فحصرها عليه
السلام بقوله: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْقَائِمِ
فَلْيَنْتَظِرْ وَ لْيَعْمَلْ بِالْوَرَعِ وَ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ وَ هُوَ
مُنْتَظِرٌ".
وعنه أيضا قال: عَلِيُّ بْنُ
أَحْمَدَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ
مُنَخَّلِ بْنِ جَمِيلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ
ع أَنَّهُ قَالَ:
"اسْكُنُوا مَا سَكَنَتِ السَّمَاوَاتُ
وَ الْأَرْضُ أَيْ لا تَخْرُجُوا عَلَى أَحَدٍ فَإِنَّ أَمْرَكُمْ لَيْسَ بِهِ
خَفَاءٌ أَلَا إِنَّهَا آيَةٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ لَيْسَتْ مِنَ
النَّاسِ، أَلَا إِنَّهَا أَضْوَأُ مِنَ الشَّمْسِ لا تَخْفَى عَلَى بَرٍّ وَ لا فَاجِرٍ
أَ تَعْرِفُونَ الصُّبْحَ فَإِنَّهَا كَالصُّبْحِ لَيْسَ بِهِ خَفَاءٌ".
وهذا الخبر في معرض تحريم
اتباع المدعين للقيام بدولة الحق الموعودة، وأن القائم عليه السلام أمره لا لبس
فيه ولا خفاء، لا شتبه على الناس حال ظهوره، غير أن صدرها نص في النهي التحريمي
بالقيام المعارض لحكومات زمن الغيبة حتى يستتب الأمر لحكومة صاحب الزمان عليه السلام.
وفي الكافي -صحيحا- :
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ
سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ وَ
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ
هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي
الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع أَنَّهُمْ سَمِعُوا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ ع يَقُولُ فِي خُطْبَةٍ لَهُ:
"اللَّهُمَّ وَ إِنِّي
لَأَعْلَمُ أَنَّ الْعِلْمَ لا يَأْرِزُ كُلُّهُ وَ لا يَنْقَطِعُ مَوَادُّهُ وَ أَنَّكَ
لا تُخْلِي أَرْضَكَ مِنْ حُجَّةٍ لَكَ عَلَى خَلْقِكَ، ظَاهِرٍ لَيْسَ
بِالْمُطَاعِ أَوْ خَائِفٍ مَغْمُورٍ، كَيْلَا تَبْطُلَ حُجَجُكَ وَ لا يَضِلَّ
أَوْلِيَاؤُكَ بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَهُمْ بَلْ أَيْنَ هُمْ وَ كَمْ أُولَئِكَ
الْأَقَلُّونَ عَدَداً وَ الْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ قَدْراً
الْمُتَّبِعُونَ لِقَادَةِ الدِّينِ- الْأَئِمَّةِ الْهَادِينَ الَّذِينَ
يَتَأَدَّبُونَ بِآدَابِهِمْ وَ يَنْهَجُونَ نَهْجَهُمْ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَهْجُمُ
بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ فَتَسْتَجِيبُ أَرْوَاحُهُمْ
لِقَادَةِ الْعِلْمِ وَ يَسْتَلِينُونَ مِنْ حَدِيثِهِمْ مَا اسْتَوْعَرَ عَلَى
غَيْرِهِمْ وَ يَأْنَسُونَ بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْمُكَذِّبُونَ وَ أَبَاهُ
الْمُسْرِفُونَ أُولَئِكَ أَتْبَاعُ الْعُلَمَاءِ صَحِبُوا أَهْلَ الدُّنْيَا
بِطَاعَةِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ أَوْلِيَائِهِ وَ دَانُوا
بِالتَّقِيَّةِ عَنْ دِينِهِمْ وَ الْخَوْفِ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَأَرْوَاحُهُمْ
مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى فَعُلَمَاؤُهُمْ وَ أَتْبَاعُهُمْ خُرْسٌ
صُمْتٌ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ مُنْتَظِرُونَ لِدَوْلَةِ الْحَقِّ وَ سَيُحِقُّ
اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَ يَمْحَقُ الْبَاطِلَ هَا هَا طُوبَى لَهُمْ
عَلَى صَبْرِهِمْ عَلَى دِينِهِمْ فِي حَالِ هُدْنَتِهِمْ وَ يَا شَوْقَاهْ إِلَى
رُؤْيَتِهِمْ فِي حَالِ ظُهُورِ دَوْلَتِهِمْ وَ سَيَجْمَعُنَا اللَّهُ وَ
إِيَّاهُمْ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ
ذُرِّيَّاتِهِمْ".
فانظر لهذا المدح الجليل
العظيم، وكيف جعل عليه السلام صفة الصمت بل الخرس في تمام أيام دولة الباطل من
أعظم فضائلهم وعلائم يقينهم وإيمانهم.
قال الشيخ النعماني قدس الله
سره في آخر الباب الحادي عشر من كتاب الغيبة:
" انظروا رحمكم الله
إلى هذا التأديب من الأئمة ع و إلى أمرهم و رسمهم في الصبر و الكف و الانتظار
للفرج و ذكرهم هلاك المحاضير و المستعجلين و كذب المتمنين و وصفهم نجاة المسلمين و
مدحهم الصابرين الثابتين و تشبيههم إياهم على الثبات بثبات الحصن على أوتادها،
فتأدبوا رحمكم الله بتأديبهم و امتثلوا أمرهم و سلموا لقولهم و لا تجاوزوا رسمهم و
لا تكونوا ممن أردته الهوى و العجلة و مال به الحرص عن الهدى و المحجة البيضاء،
وفقنا الله و إياكم لما فيه السلامة من الفتنة و ثبتنا و إياكم على حسن البصيرة و
أسلكنا و إياكم الطريق المستقيمة الموصلة إلى رضوانه المكسبة سكنى جنانه مع خيرته
و خلصائه بمنه و إحسانه" آمين.
......... يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق