1- [ وجوب الانتظار عند أهل البيت ومفهومه ومصير المعارضة والثورات ]

[ وجوب الانتظار عند أهل البيت ومفهومه ومصير المعارضة والثورات ]

قال النعماني في كتابه الغيبة:
" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُمَارَةَ الْكِنَانِيِ([1])‏([2]) قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ عَنْ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: قُلْتُ لَهُ ع أَوْصِنِي
فَقَالَ: أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَ أَنْ تَلْزَمَ بَيْتَكَ وَ تَقْعُدَ فِي دَهْمَاءِ([3]) هَؤُلَاءِ النَّاسِ وَ إِيَّاكَ وَ الْخَوَارِجَ مِنَّا([4]) فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْ‏ءٍ وَ لا إِلَى شَيْ‏ءٍ- وَ اعْلَمْ أَنَّ لِبَنِي أُمَيَّةَ مُلْكاً لا يَسْتَطِيعُ النَّاسُ أَنْ تَرْدَعَهُ‏ وَ أَنَّ لِأَهْلِ الْحَقِّ دَوْلَةً إِذَا جَاءَتْ وَلَّاهَا اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءَ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ فَمَنْ أَدْرَكَهَا مِنْكُمْ كَانَ عِنْدَنَا فِي السَّنَامِ الْأَعْلَى وَ إِنْ قَبَضَهُ اللَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ خَارَ لَهُ وَ اعْلَمْ أَنَّهُ لا تَقُومُ عِصَابَةٌ تَدْفَعُ ضَيْماً أَوْ تُعِزُّ دِيناً إِلَّا صَرَعَتْهُمُ الْمَنِيَّةُ وَ الْبَلِيَّةُ حَتَّى تَقُومَ عِصَابَةٌ شَهِدُوا بَدْراً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص لا يُوَارَى قَتِيلُهُمْ وَ يُرْفَعُ صَرِيعُهُمْ‏ وَ لا يُدَاوَى جَرِيحُهُمْ قُلْتُ مَنْ هُمْ قَالَ الْمَلَائِكَةُ".
ثم قال:
"وَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ وَ مُحَمَّدٌ ابْنَا عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْحَلَبِيِّ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِي الْجَارُودِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ‏ :
لَيْسَ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ أَحَدٌ يَدْفَعُ ضَيْماً وَ لا يَدْعُو إِلَى حَقٍّ إِلَّا صَرَعَتْهُ الْبَلِيَّةُ حَتَّى تَقُومَ عِصَابَةٌ شَهِدَتْ بَدْراً لا يُوَارَى قَتِيلُهَا وَ لا يُدَاوَى جَرِيحُهَا قُلْتُ مَنْ عَنَى أَبُو جَعْفَرٍ ع بِذَلِكَ قَالَ الْمَلَائِكَةَ".
وفي مطلع الصحيفة السجادية وطريقها أرفع من أن يصحح:
" قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-: "مَا خَرَجَ وَ لا يَخْرُجُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ إِلَى قِيَامِ قَائِمِنَا أَحَدٌ لِيَدْفَعَ ظُلْماً أَوْ يَنْعَشَ حَقّاً إلَّا اصْطَلَمَتْهُ الْبَلِيَّةُ، وَ كَانَ قِيَامُهُ زِيَادَةً فِي مَكْرُوهِنَا وَ شِيعَتِنَا".
فإن هاتين الروايتين -في حكم الرواية الواحدة الصادرة- تؤيدان بعضهما؛ لاختلاف طرقهما، ورواية الثقات فيهما، واتفاق متنيهما، وهذا كاف في الاعتماد، ولو قيل أن إيداع النعماني لهما في كتابه -وهو من المتقدمين والراسخين في هذا العلم والحديث ومن أجل تلاميذ الشيخ الكليني طاب ثراهم- غير كافية للوثوق بهذه الأخبار، رد بأن لا شك ولا شبهة أن النعماني رحمه الله في مقام الاعتماد على ما روي في هذا الباب -فانظر آخر الباب وعنوان أوله- لا مجرد الجمع والرواية، فإن قيل: إن هذا اجتهاد منه كاجتهاد الصدوق في كتابه الفقيه، قيل: إنه لو غض النظر عن رواية أو روايتين لكان الأمر سهل الرد بهذا، لكن الأخبار في هذا المعنى متكثرة متظافرة، وكأن النعماني رحمه الله كان ملتفتا -بل هو ملتفت- لهذا، فلم يكتف برواية ولا بطريق واحد ليؤكد الحكم بما يوثق بصدوره عن المعصوم، وما بيناه هنا جار في كل ما يأتي، فتنبه ولا تغفل.
ورواية مطلع الصحيفة من مشهورات الروايات، رواها الخاص والعام.
ودلالة الرواية على حكم دفع الضيم أو طلب حق ولو كان فيه عز للدين لا تشاب بغبش، ولسانها الإعلام عن الغيب ومصير كل حركة شيعية ترفع هذا الشعار والطلب متلبسة بالتشيع أو رافعة مجهرة بالمذهب، وهذا من الأحكام المؤداة بلسان الإخبار لا الطلب، فليس فيها أمر ولا نهي، لكنه أصرح منهما؛ يؤديها المتكلم صاحب البيان ليؤكد على خطورة الحكم بيان فداحة المصير، وليس أصرح دلالة من قوله ذاما : "صرعته المنية"، في حرمة العبث وإلقاء النفس والأمة في التهلكة وهو يعلم -بلسان الغيب المعصوم- أن لا غرضا له سيتحقق أو يحصل، وإن حصل في زمان فلا ثبات له ولا دوام والصرعة على يد دولة الباطل مصيره.
هذا لو اكتفي بالقدر المشترك من النص بينهما، وإلا فالتحذير من الخوارج -وهم من حمل فكر الزيدية وعقيدتهم في القيام والمطالبة بلا إذن من المعصوم ولا احتراز عن العواقب- كاف في الحكم بحرمة الطلب والمطالبة حتى يأتي فرج الله، ويأتي ما يؤيد هذا المعنى.
والعجب ممن يرد السياسة الكاذبة الخداعة اليوم، لا يدخل إخبارهم عليهم السلام عن الغيب في حسابه ولا يقيم لها وزنا في الوقت الذي يراعي كل تصريح من الفسقة والمنافقين !.

وروى أيضا قال:
" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ [وهو ممن علا مقامه بين الثقات وصح حديثه] وَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ جَمِيعاً عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ مِيثَمٍ وَ يَحْيَى بْنِ سَابِقٍ‏ جَمِيعاً عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ ع أَنَّهُ قَالَ: هَلَكَ أَصْحَابُ الْمَحَاضِيرِ وَ نَجَا الْمُقَرَّبُونَ وَ ثَبَتَ الْحِصْنُ عَلَى أَوْتَادِهَا إِنَّ بَعْدَ الْغَمِّ فَتْحاً عَجِيباً".
وروى عن أبي عبد الله عليه السلام -وأظنه توهما والصحيح عن أبي جعفر عليه السلام- ما فيه شرح السابق، فقال:
" أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ الْكُوفِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الصَّبَّاحِ بْنِ الضَّحَّاكِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ عَنْ سَيْفٍ التَّمَّارِ عَنْ أَبِي الْمُرْهِفِ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع هَلَكَتِ الْمَحَاضِيرُ قَالَ قُلْتُ وَ مَا الْمَحَاضِيرُ- قَالَ الْمُسْتَعْجِلُونَ وَ نَجَا الْمُقَرِّبُونَ‏([5]) وَ ثَبَتَ الْحِصْنُ عَلَى أَوْتَادِهَا كُونُوا أَحْلَاسَ بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ الْغَبَرَةَ عَلَى مَنْ أَثَارَهَا وَ إِنَّهُمْ لا يُرِيدُونَكُمْ بِجَائِحَةٍ إِلَّا أَتَاهُمُ اللَّهُ بِشَاغِلٍ إِلَّا مَنْ تَعَرَّضَ لَهُمْ‏".
ورواه شيخه الكليني في الكافي بأوسع مما رواه النعماني وبسند آخر، قال:
" عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ سَيْفٍ التَّمَّارِ عَنْ أَبِي الْمُرْهِفِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ:
الْغَبَرَةُ عَلَى مَنْ أَثَارَهَا هَلَكَ الْمَحَاضِيرُ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ مَا الْمَحَاضِيرُ قَالَ الْمُسْتَعْجِلُونَ أَمَا إِنَّهُمْ لَنْ يُرِيدُوا إِلَّا مَنْ يَعْرِضُ لَهُمْ ثُمَّ قَالَ يَا أَبَا الْمُرْهِفِ أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوكُمْ بِمُجْحِفَةٍ إِلَّا عَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُمْ بِشَاغِلٍ ثُمَّ نَكَتَ أَبُو جَعْفَرٍ ع فِي الْأَرْضِ ثُمَ‏ قَالَ يَا أَبَا الْمُرْهِفِ قُلْتُ لَبَّيْكَ قَالَ أَ تَرَى قَوْماً حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ لا يَجْعَلُ اللَّهُ لَهُمْ فَرَجاً بَلَى وَ اللَّهِ لَيَجْعَلَنَّ اللَّهُ لَهُمْ فَرَجاً".
وروى أيضا عن:
" عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ عَنْ سُفْيَانَ الْجَرِيرِيِّ عَنْ أَبِي مَرْيَمَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَ هُوَ يَقُولُ وَ شَبَّكَ أَصَابِعَهُ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ ثُمَّ قَالَ تَفَرَّجِي تَضَيَّقِي وَ تَضَيَّقِي تَفَرَّجِي‏ ثُمَّ قَالَ هَلَكَتِ الْمَحَاضِيرُ وَ نَجَا الْمُقَرَّبُونَ وَ ثَبَتَ الْحَصَى عَلَى أَوْتَادِهِمْ أُقْسِمُ بِاللَّهِ قَسَماً حَقّاً إِنَّ بَعْدَ الْغَمِّ فَتْحاً عَجَباً".
وفيها تعريض بالزيدية وأشباههم من المستعجلين لإقامة الدولة، وكل من خرج يطلب حقا أو باطلا بشعار مذهب أهل البيت وباسمه، وليس الحكم مختصا بزمن خاص؛ فإنه قد علق الحكم بالصبر على زمن دولة الباطل وأمدها حتى إقامة دولة الحق، وفيها أيضا وعد إلهي غيبي مؤكد بدفع شر الطواغيت والظلمة طالما التزم الشيعة بأمر أئمتهم عليهم السلام، والغبرة على من أثارها.
 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى‏، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ، عَنِ الْفَضْلِ الْكَاتِبِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، فَأَتَاهُ كِتَابُ أَبِي مُسْلِمٍ، فَقَالَ: «لَيْسَ لِكِتَابِكَ جَوَابٌ، اخْرُجْ عَنَّا»([6]).
فَجَعَلْنَا يُسَارُّ بَعْضُنَا بَعْضاً ، فَقَالَ: «أَيَّ شَيْ‏ءٍ تُسَارُّونَ يَا فَضْلُ، إِنَّ اللَّهَ- عَزَّ ذِكْرُهُ- لَايَعْجَلُ لِعَجَلَةِ الْعِبَادِ، وَ لَإِزَالَةُ جَبَلٍ عَنْ مَوْضِعِهِ أَيْسَرُ  مِنْ زَوَالِ مُلْكٍ لَمْ‏ يَنْقَضِ أَجَلُهُ» ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ» حَتّى‏ بَلَغَ السَّابِعَ مِنْ وُلْدِ فُلَانٍ([7]).
قُلْتُ: فَمَا الْعَلَامَةُ فِيمَا بَيْنَنَا وَ بَيْنَكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ؟
قَالَ: «لَا تَبْرَحِ الْأَرْضَ يَا فَضْلُ حَتّى‏ يَخْرُجَ السُّفْيَانِيُّ، فَإِذَا خَرَجَ السُّفْيَانِيُّ فَأَجِيبُوا إِلَيْنَا- يَقُولُهَا ثَلَاثاً- وَ هُوَ مِنَ الْمَحْتُومِ».
فكانت العلامة في الخروج والقيام لهدم المنكر في دولة الباطل هي خروج السفياني قبل خروج القائم عليه السلام، وأما قبلها -ولو طال الزمن واشتد التمحيص والفتن- فإنا ملزمون بالسكون والصبر، فمن أطاعهم أطاعهم ومن عصاهم فهو ليس منهم.
وروى النعماني عن عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْعَلَوِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي أَحْمَدَ  عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ‏ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ، وكذا عن شيخه الكليني عن محمد بن يحيى عن سلمه بن الخطاب عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير، ورواه الشيخ في الغيبة بإسناده -وفيه الثقات- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ بل رواه ابن بابويه في الإمامة والتبصرة بسنده الصحيح، قال:
"مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَزَّازِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَهُ، إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ مِهْزَمٌ، فَقَالَ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي نَنْتَظِرُهُ، مَتَى هُوَ؟ قَالَ:
"يَا مِهْزَمُ، كَذَبَ الْوَقَّاتُونَ، وَ هَلَكَ الْمُسْتَعْجِلُونَ، وَ نَجَا الْمُسَلِّمُونَ، وَ إِلَيْنَا يَصِيرُونَ".
والمستعجل لابد أن يكون استعجاله بأحد أمور:
فإما أن يكون استعجالا قلبيا فحسب، يزلزل عقيدته بعد حين.
أو يكون مع الأول خارجيا جوارحيا عمليا، بأن يسعى للإقامة ما وعد من دولة الحق قبل وقتها أو آثارها -من طلب العدل أو غيره- باسم المذهب، وهو لا يكون تاما إلا في دولة الحق.
وهذا الثاني هو الأظهر؛ بقرينة دلالة لفظ الهلاك؛ فإنه لو كان جوانحيا لناسب أن يقال عنه ظلال لا هلاك، ومنه يتبين معنى الانتظار.

وروى الكليني عن عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَمَّنْ أَخْبَرَهُ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع:
"كُفُّوا أَلْسِنَتَكُمْ وَ الْزَمُوا بُيُوتَكُمْ فَإِنَّهُ لا يُصِيبُكُمْ أَمْرٌ تُخَصُّونَ بِهِ أَبَداً وَ لا تَزَالُ الزَّيْدِيَّةُ لَكُمْ وِقَاءً أَبَداً".
ورواه تلميذه النعماني بسند آخر قال:
" َ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ قَالَ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ الْفَزَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُ قَالَ:
"كُفُّوا أَلْسِنَتَكُمْ وَ الْزَمُوا بُيُوتَكُمْ فَإِنَّهُ لا يُصِيبُكُمْ أَمْرٌ تُخَصُّونَ بِهِ أَبَداً وَ يُصِيبُ الْعَامَّةَ وَ لا تَزَالُ الزَّيْدِيَّةُ وِقَاءً لَكُمْ أَبَداً".
والتأبيد في الوعد بالسلامة دال على جريان الدافع عن الضرر كلما تجدد الأمر، طالما وجد الشرط من الشيعة بلزوم الأمر بعدم الخروج.
وكذا التأبيد في الإخبار عن الزيدية، فإنه إخبار عن واقع أمرهم وأنهم لا يزالون بعقيدتهم إن وجدوا أو بمسلكهم إن فقدوا في طائفة من الشيعة لا غيرهم يشتغل السلطان في دولته بالتربص بهم، ويخلص الله المؤمنين.
وأما أنها غير مخصوصة بزمان، فلعدم مُخصِّصٍ للحكم من الأخبار المعصومة كلها، ولا من الآثار المنقولة، ولشاهد الحال المعروف من أمر الزيدية وما شابههم، فإنهم كما أخبروا عنهم عليهم السلام، والوعدان متلازمان، بل يدل على صحة التأبيد المطلق وجوه الدلالات في الأخبار الكثيرة، قدمنا بعضها فتأملها ويأتي آخر فلا تستعجلها.

وروى النعماني في كتابه، قال:
" أَخْبَرَنَا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ الْكُوفِيُّ وَ هَذَا الرَّجُلُ مِمَّنْ لا يُطْعَنُ عَلَيْهِ فِي الثِّقَةِ وَ لا فِي الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَ الرِّجَالِ النَّاقِلِينَ لَهُ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُّ مِنْ تَيْمِ اللَّه قَالَ حَدَّثَنِي أَخَوَايَ أَحْمَدُ وَ مُحَمَّدٌ ابْنَا الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِي كَهْمَسٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مِيثَمٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ ضَمْرَةَ قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع لِشِيعَتِهِ:
كُونُوا فِي النَّاسِ كَالنَّحْلِ‏ فِي الطَّيْرِ، لَيْسَ شَيْ‏ءٌ مِنَ الطَّيْرِ إِلَّا وَ هُوَ يَسْتَضْعِفُهَا، وَ لَوْ يَعْلَمُ مَا فِي أَجْوَافِهَا لَمْ يَفْعَلْ بِهَا كَمَا يَفْعَلُ، خَالِطُوا النَّاسَ بِأَبْدَانِكُمْ وَ زَايِلُوهُمْ بِقُلُوبِكُمْ وَ أَعْمَالِكُمْ؛ فَإِنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا اكْتَسَبَ وَ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ مَنْ أَحَبَّ.
أَمَا إِنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا مَا تُحِبُّونَ وَ مَا تَأْمُلُونَ يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ حَتَّى يَتْفُلَ بَعْضُكُمْ فِي وُجُوهِ بَعْضٍ وَ حَتَّى يُسَمِّيَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً كَذَّابِينَ وَ حَتَّى لا يَبْقَى مِنْكُمْ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ إِلَّا كَالْكُحْلِ فِي الْعَيْنِ وَ الْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ وَ هُوَ أَقَلُّ الزَّادِ، وَ سَأَضْرِبُ لَكُمْ فِي ذَلِكَ مَثَلًا وَ هُوَ كَمَثَلِ رَجُلٍ كَانَ لَهُ طَعَامٌ قَدْ ذَرَاهُ وَ غَرْبَلَهُ وَ نَقَّاهُ وَ جَعَلَهُ فِي بَيْتٍ وَ أَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ فَتَحَ الْبَابَ عَنْهُ فَإِذَا السُّوسُ قَدْ وَقَعَ فِيهِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَ نَقَّاهُ وَ ذَرَاهُ ثُمَّ جَعَلَهُ فِي الْبَيْتِ وَ أَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ فَتَحَ الْبَابَ عَنْهُ فَإِذَا السُّوسُ قَدْ وَقَعَ فِيهِ وَ أَخْرَجَهُ وَ نَقَّاهُ وَ ذَرَاهُ، ثُمَّ جَعَلَهُ فِي الْبَيْتِ وَ أَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ ثُمَّ أَخْرَجَهُ بَعْدَ حِينٍ فَوَجَدَهُ قَدْ وَقَعَ فِيهِ السُّوسُ فَفَعَلَ بِهِ كَمَا فَعَلَ مِرَاراً حَتَّى بَقِيَتْ مِنْهُ رِزْمَةٌ كَرِزْمَةِ الْأَنْدَرِ الَّذِي لا يَضُرُّهُ السُّوسُ شَيْئاً، وَ كَذَلِكَ أَنْتُمْ تُمَحِّصُكُمُ الْفِتَنُ حَتَّى لا يَبْقَى مِنْكُمْ إِلَّا عِصَابَةٌ لا تَضُرُّهَا الْفِتَنُ شَيْئاً".
وهذه العصابة ليست هي إلا الناصرة للقائم عليه السلام التي لا تغيرها الفتن والمحن، والشاهد على حكم زمان الغيبة قوله عليه السلام: " كُونُوا فِي النَّاسِ كَالنَّحْلِ‏ فِي الطَّيْرِ" فإنها خير تشبيه لحال الشيعة المنتظرين؛ لا يخاف خطرهم ويستضعف أمرهم وتذخر صفوتهم للوقت المعلوم.

وروى النعماني قال:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ ع قَالَ:
"مَثَلُ خُرُوجِ الْقَائِمِ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ كَخُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ مَثَلُ مَنْ خَرَجَ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ قَبْلَ قِيَامِ الْقَائِمِ مَثَلُ فَرْخٍ طَارَ فَوَقَعَ مِنْ وَكْرِهِ فَتَلَاعَبَتْ بِهِ الصِّبْيَانُ".
ورواه بلفظ آخر القاضي النعمان الإسماعيلي في شرح الأخبار، بسنده قال: و عن علي بن الحسين عليه السلام، أنه قال:
"لا يخرج منا أحد قبل خروج القائم إلا كان مثله مثل فرخ [طار] من و كره قبل أن يستوي جناحاه، فأخذه الصبيان يتلاعبون به".‏
 ولو قيل: أن القيام لا يشمل معارضة الحكام بطلب الحقوق أو غيرها، وأن الإخبار هذا مختص بأهل البيت لا غيرهم.
قلنا: إن الأخبار الكثيرة ترشدنا لعموم الخطاب.
وأن أهل البيت هنا لفظ أريد به من انتسب لهم نسبا، كزيد ويحيى وغيره ممن يكونون مظنة لميل الناس إليهم، وجرى الحكم في من انتسب لهم ولاء وسببا، كشيعتهم؛ فإنهم لا يقومون إلا برايتهم، ولا يرى الآخرون إلا غير أهل البيت في حركتهم، وأمامك العيان أقوى من البيان.



([1])كذا، و لعله البكرى المعنون في الجامع.
([2]) في رجال الشيخ: 247: "علي بن عمارة البكري: كوفي".
([3])الدهماء- بفتح الدال المهملة: جماعة الناس، و العدد الكثير.
([4])أي ائمة الزيدية، و ساداتهم مثل بنى الحسن (ع).
([5]) المحاضير: جمع المحضير و هو الفرس الكثير العدو، و المقربون- بكسر الراء مشددة- اى الذين يقولون الفرج قريب و يرجون قربه أو يدعون لقربه. أو بفتح الراء أي الصابرون الذين فازوا بالصبر بقربه تعالى.( البحار) و في بعض النسخ« المقرون».

([6]) وهو ابو مسلم الخراساني لما أعلن حربه على دولة بني أمية وأزالها، ثم أرسل للصادق عليه السلام يلاغبه في الخلافة.
([7]) والظاهر أنهم بنو العباس وقد اقتصر على بعضهم، فإن ملك بني أمية قد زال وتصدى لها السفاح والدوانيقي من ولد العباس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق